تسعى هذه الدراسة للوقوف على «السيموطيقيا» المستخدمة في رسائل التنظيمات الإرهابية في شمال سيناء عبر الدراسة التحليلية الکيفية التأويلية للمعلومات، والرموز، والدلالات التي تحملها الرسائل الصادرة عن التنظيمات الإرهابية، والمتعلقة بواقعتي الاعتداء مسجد الروضة، واستهداف طائرة وزيري الدفاع والداخلية في شمال سيناء. نتائج الدراسة:
اهتمت الدراسة برصد الدلالات والمعاني غير المباشرة، والکامنة خلف المعنى الظاهر، والمباشر في أشکال الدعاية الإلکترونية الصادرة عن التنظيمات الإرهابية في شمال سيناء بشأن واقعتي (الاعتداء على مسجد الروضة واستهدف طائرة وزيري الدفاع والداخلية)، والتي تمثلت في البيانات الصحفية، والإصدارات المرئية التي تناولت کلتا الحادثتين، وذلک بالتحليل السيميوطيقي، وقد توصلت الدراسة إلى عدد من الاستنتاجات والنتائج، التي يمکن بلورتها کالتالي:
التنظيمات التي مارست أشکال الدعاية المختلفة بشأن واقعة استهداف مسجد الروضة أعلنت جميعها تبرئها من هذه الواقعة، وذلک من خلال شکل واحد من أشکال الدعاية الإلکترونية وهو البيانات، أو البلاغات الصحفية التي نشرت عبر مواقعها، أو مواقع موالية لها، وقد اعتمدت هذه التنظيمات عبر بياناتها بشأن الواقعة على استخدام أنساق سيموطيقية متباينة، ومتنوعة؛ حملّت معظمها – سواء بشکل مباشر أو غير مباشر- النظام المصري مسئولية الحادثة.
بالرغم من البيانات والبلاغات الصحفية بشأن حادثة الاعتداء على مسجد الروضة کانت هي الشکل الدعائي الإلکتروني الوحيد الصادر عن معظم التنظيمات المسلحة في شمال سيناء، إلّا أن هذا الشکل اشتمل على أکثر من أسلوب دعائي تمثلت في سبعة أساليب هي: (أسلوب الاستمالة النفسية العاطفية والدينية، أسلوب حصر العداء، أسلوب التکرار، أسلوب إخفاء الحقائق وتلفيق الأکاذيب، أسلوب التضخيم والتهويل، أسلوب إطلاق المسميات والمصطلحات، تحويل الانتباه).
غلبه الطابع الديني في صياغة معظم البيانات الإعلامية للتنظيمات الإرهابية باستحضار آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، تغلب عن النص في مضمونه، کأسلوب من أساليب الإقناع بالترکيز على الوازع الديني.
الشعارات والأيقونات، والرموز السرية، وطريقة صياغة البيانات الصحفية التي استندت على الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة أضفت ملمحًا دينيًا على تلک البيانات؛ مما کان له أثرًا على زيادة انتشار هذه البيانات عبر موقع التواصل الاجتماعي من خلال مؤيدين فکر هذه التنظيمات المسلحة.
يتضح من التحليل السيميوطيقي للبيانات الصادرة بشأن واقعة الاعتداء على مسجد الروضة أن التحليل عکس في البيانات الأربع التي صدرت بشأن الواقعة اتفاقها جميعًا على استنکار ورفض هذه الواقعة استنادًا على حرمة الاعتداء على بيوت الله (المساجد)، وإبرازها لجانب الوحشية وصور القتل والدماء والتفجيرات الکبيرة التي ظهرت في خلفية بعض هذه البيانات وفي لغة الخطاب التي اتسمت في بعضها بالثورية والتحدي – کما في بيان حرکة حسم وبيان تنظيم لواء الثورة- وبعضها اتسم بالتوعد بالرد، وفضح القائمين بهذا الفعل کما في بيان تنظيم جند الإسلام وجماعة أنصار الإسلام.
شمل التحليل السيميوطيقي للبيانات الصادرة بشأن واقعة الاعتداء على مسجد الروضة على عدة أنساق الأساسية قام عليها التحليل وهي (المصطلحات، الشکل والإخراج، الصياغة، الشعارات والأيقونات، الرموز السرية)، وتبين من خلال التحليل:
- بالنسبة للمصطلحات: جاءت المصطلحات التي انطوى عليها بيان (حرکة حسم) مرکز، ومباشرة مدللةً على أن من قام بصياغة البيان يتقن فنون الصياغة المهنية للتحرير الصحفي، وقواعده، والتي ظهرت جليه في دقة بنيان الفقرات، وتوازنها، وحسن اختيار الأفعال المستخدمة، والمراجعة اللغوية کما اعتمد البيان في مجمله على استخدام الاستمالات العاطفية، على العکس من بيان (جماعة أنصار الإسلام) والذي جاء مطولًا، وبه نوع من الإسهاب، واعترته نبره الثأر، والوعيد، وتکررت فيه الألفاظ، والمرادفات بشکل متکرر، وبصياغة أقل حرفية من بيان (حرکة حسم) کما تخلل البيان العديد من الأستشهادات الدينية استنادًا إلى المرجعية الدينية التي يزعم التنظيم أنه يتبناها، أما عن بيان (تنظيم جند الإسلام) فقد حمل البيان العديد من المصطلحات والألفاظ التي تجرم الفعل وفي نفس الوقت عکست مدى ازدواجية الأفعال لدي التنظيمات الإرهابية، حيث أشار البيان إلى تجريم هذا الفعل باستخدام ألفاظ، وأسانيد عامة تطلق حرم الدماء عامةً، ولکنهم قصروها في البيان على هذه الواقعة، وما دونها من جرائم يکونون هم ورائهم لا يدخل ضمن دائرة التجريم أو التحريم (للدماء المعصومة)، کما أشارت المصلحات أيضًا إلى توجيه الاتهام المباشر للنظام المصري بالوقوف وراء الحادث، وبالنسبة لبلاغ (لواء الثورة) فقد استخدم التنظيم ألفاظ عبر من خلالها عن استنکاره للواقعة، والاشمئزاز منها، وعدم اشتراکه فيها أو علمه بها، بمصطلحات جاذبة للسمع والعين، متمهًا النظام المصري بالوقف وراء الحادث وضلوعه فيه.
- بالنسبة للشکل والإخراج: تعددت الأنساق السيموطيقية المتعلقة بالشکل، والإخراج في البيانات الأربع الصادرة بشأن الواقعة فبداية من بيان حرکة «حسم» والذي استخدمت الحرکة فيه التاريخ الميلادي فقط دون الهجري کمحاولة لإثبات أن الحرکة ليست حرکة إسلامية جهادية، وإنما (حرکة ثورية)، کما اختارت الحرکة للبيان ألوانًا؛ هي الأحمر، والأبيض، والأسود وهو العلم الوطني المصري، کما عمدت إلى کتابة اسم الحرکة، والتاريخ، والشعار، والآية القرآنية الاستهلالية، باللون الأحمر، وهو اللون الذي يشير کما متعارف إلى الإشراق، والأمل، والقوة، ويفسر من ذلک أن الاختيار لم يکن اعتباطيًا، ولکن له دلالة، ورمز، في مزيج تلک الإشارات لهذا اللون ومعانيه، وجاء مضمون البيان باللون الأسود مع تغير حجم الخط من العريض الداکن في الفقرة الأولى إلى العادي في باق الفقرات الثلاث، ويفسر من ذلک أن الحرکة بجهادها المسلح، أو الإعلامي تعتبر أن تلک المرحلة للثلاثين من يونيو شبيه (بالحقبة الاستعمارية)، وعلى الجانب الآخر جاء بيان (جماعة أنصار الإسلام) مصبوغًا بصبغة دينية استنادًا على مرجعيتها فقد تم الاعتماد في صياغة البيان على ثلاثة ألوان (وهم: الأبيض للخط يدل على البساطة والأمل الطهر والبراءة، والأصفر للعناوين، وهو اللون الذي ذکر في القران الکريم ثلاث مرات، دال علي مرحلة نضج الثمار ثم وصف لمشاهد القيامة والرياح الحانقة، والبني الداکن خلفية للبيان ويدل على الشعور بالحزم، والقوة، وهو اللون الذي کان يستخدم في العصر المغولي کرمز للحرب، والقتال، والفتن)، وتلک الألوان مختلفة تمامًا عن المستخدمة في معظم البيانات الإعلامية لمعظم التنظيمات الإرهابية، وخاصة التي خرجت من رحمها «القاعدة» التي دائمًا تعتمد على اللون الأسود، والأبيض فقط، وتلک محاولة من التنظيم الاختلاف عن باق التنظيمات الأخرى في الشکل لدعايتها الإلکترونية، باستخدام ألوان مختلفة في إخراج البيان، وفي الوقت نفسه لها دلالات، ورموز في الاختيار، أما عن بيان (تنظيم جند الإسلام) فقد استخدمت فيه (اللون البرتقالي والأخضر) حيث برز اللونين في البيان وهو اللون الذي يرتديه المحکوم عليهم بالإعدام في تنظيم«داعش»، والسجناء في سجن «جوانتانامو»، وجاء أيضًا اللون الأسود للخط بدلالاته المعروفة سابقًا، وهذا يشير إلى انتمائها إلى تنظيم «القاعدة» بعد نقض مبايعة تنظيم «داعش»، کما احتوى البيان صورة من الحدث: جاءت صورة من موقع الحدث بتقنية، وجودة عالية، وهي صورة صحفية تنطبق عليها قاعدة (الثلث) في التصوير، وتم اختيارها بدقة، وأخيرًا فقد جاء بلاغ (تنظيم لواء الثورة) بشکل بسيط من ورقة واحدة لم تحتوى على أي تصميمات جرافيکية، أو صور، أو خطوط مختلفة، ولکن تميز البلاغ فقط باللون الأخضر بدلالاته، وکتابة اسم التنظيم بالخط الأسود، والأحمر، واتضح من البلاغ ودلالاته أن من قاموا بصياغته کوادر إعلامية على قدر عال من الاحترافية والخبرة.
فولي عبد المعز, هشام, & فايز عبد الحي, حسام. (2018). سيموطيقيا الدعاية الإلکترونية للتنظيمات الإرهابية في شمال سيناء. المجلة العلمية لبحوث العلاقات العامة و الإعلان, 2018(16), 387-442. doi: 10.21608/sjocs.2020.107085
MLA
هشام فولي عبد المعز; حسام فايز عبد الحي. "سيموطيقيا الدعاية الإلکترونية للتنظيمات الإرهابية في شمال سيناء", المجلة العلمية لبحوث العلاقات العامة و الإعلان, 2018, 16, 2018, 387-442. doi: 10.21608/sjocs.2020.107085
HARVARD
فولي عبد المعز, هشام, فايز عبد الحي, حسام. (2018). 'سيموطيقيا الدعاية الإلکترونية للتنظيمات الإرهابية في شمال سيناء', المجلة العلمية لبحوث العلاقات العامة و الإعلان, 2018(16), pp. 387-442. doi: 10.21608/sjocs.2020.107085
VANCOUVER
فولي عبد المعز, هشام, فايز عبد الحي, حسام. سيموطيقيا الدعاية الإلکترونية للتنظيمات الإرهابية في شمال سيناء. المجلة العلمية لبحوث العلاقات العامة و الإعلان, 2018; 2018(16): 387-442. doi: 10.21608/sjocs.2020.107085